الأربعاء، ٢٤ مارس ٢٠١٠

صراع في النيل


لم تكن هي المرة الأولي التي أحزم فيها أمتعتي الصحفية ( أوراق وقلم ) وأتجه إلي أحد المناطق لإجراء تحقيق صحفي ، لكنها كانت أول خطوة للانتقال إلى عالم أخر من الصحافة ، يسميه أرباب المهنة "الصحافة الاستقصائية" ، شيء ما أشبه بتجربة علمية أو مغامرة بوليسية تقوم على فرضيات واستنتاجات وبحث عن أدلة وإخفائها فى مكان أمين لحين نشر التحقيق ، لا أنكر أن هذا الأمر استهوانى بشدة ،لذا فقد حفرت تفاصيل هذا التحقيق في أعماق ذاكرتي دون قصد ، أتذكر جيدا أنني عزمت النيه أنا وزميلي هشام علام ، وذهبنا إلي منطقة الحوامدية بمحافظة 6 أكتوبر ، كانت المهمة أخذ عينات من مواسير الصرف الخاصة بشركة السكر للحوامدية ،للتحقق من ما إذا كانت تسبب تلوثا لمياه النيل وأسماكه أم لا ،وما إن كانت هناك علاقة ما بين هذا الصرف المباشر علي النيل و إصابة أسر كاملة هناك بالفشل الكلوي ، ولكن الوصول إلي تلك المواسير لم يكن بالمهمة السهلة ، فكان علينا أن نستأجر لانشا ومركبا للصيد ، الأول ينقلنا إلي مكان قريب من الشركة ، والآخر ليأخذنا إلي مصب المواسير حتي لا يلحظنا العمال الذين يحرسون ذلك المكان بتواجدهم في صنادل تحيط بالشركة، كان القارب الصغير يتمايل بشكل يوحى بأن من يقفز بداخله سوف يكون فى الاعماق فى ثوان ، المهمة تستدعى شخصين بخلاف "المراكبي" ، استفزنى طلب " هشام " بالمكوث فى القارب الكبير لحين عودته ، وما إن التفت لوضع معدات أخذ العينات ، حتى فأجأت الجميع بالقفز ومعي بعض المعدات إلى القارب الصغير "العمر واحد والرب واحد"، تسللنا بالقرب من مواسير الصرف ،وأخذنا العينات وما أن قررنا العودة ، حتي فوجئنا بلانش آخر عرفنا أنه يحمل بعض عمال من الشركة لمحونا أثناء أخذنا للعينات ، كان الأمر أشبه بالمطاردات البوليسية ، فإشارات الوعيد والتهديد نلمحها جيدا من أيادي هؤلاء العمال ، أخذ الصياد الذي كان معنا يجدف بقوة حتي نصل للانش ، وبعد صعوبة شديدة تسبب فيها صغر حجم المركب وقدمه ، وصلنا إلي اللانش وربطنا فيه القارب الصغير ، وأسرعنا إلي خارج حدود الشركة ، إستمرت الملاحقة لدقائق مرت علينا كالدهر ، وما أن تأكدنا من أننا تمكننا من إضلالهم حتي تنفسنا الصعداء ،وعدنا بصيدنا الثمين " عينات المياه والأسماك" إلي معملي التحاليل بوزارة الصحة وجامعة القاهرة لتسليم العينات ، وخرجت النتائج بعدها لتؤكد النسب العالية لبعض المواد الثقيلة في المياه والأسماك والتي تتسبب في إصابة المواطنين بأمراض الفشل الكلوي وأمراض سرطانية .. هي بكل الأحوال مغامرة لن أنساها ما حييت بل وأتشوق لإضافة المزيد إلي أرشيفي الصحفي مادام في العمر بقية .
دارين فرغلي

هناك ٤ تعليقات:

yonecorn يقول...

حقيقى التحقيق كان اكثر من رائع والمجهود المبذول فيه كان باين اوووى والاهم من كدا ان التحقيق اتخدم عليه فى النهاية بصياغة رائعة وعجبنى كتير اووى المدخل الخاص بالنحقيق وقصة اسرة حسن الحداد بطل القصة
والى الان تاثير التحقيق اللى نشرتيه انتى وهشام علام ممتد الى الان على ما اعتقد لان وزارة البيئة من يومين تقريبا كانت عامله تقرير عن شركة سكر الحوامدية وده اكبر دليل على انه فعلا فى تحرك
ارجع تانى للتحقيق اللى بجد يستحق انه ينال جائزة افضل تحقيق فى مصر ودى مش مجاملة من زميل فى العمل لكن دى حقيقة اعتقد انه من الصعب الاختلاف عليها
الى مزيد من التوفيق ان شاء الله دائما
محمد أبوالعينين - الإسكندرية

عاشقة النيل يقول...

شكرا يا محمد علي ذوقك وعلي كلامك إللي قلته عن التحقيق
وإن شاء الله عقبال ما نباركلك إنت كمان علي جائزة دبي السنة الجايه إن شاء الله

غير معرف يقول...

والله اختى الفاضلة بارك الله فيكى على شعورك النبيل تجاه وطنك الغالى ووطننا جميعا بالصدفة قرات هذا المقال واعجبنى واحب ان انوه الى اننى فى عام 2010 قمت بعمل بحث عن التلوث الناجم من مياة الصرف الصناعى الخارج من مصنع الحديد والصلب بمنطقة التبين بحلوان واخذت عينات من الاراضى الواقعةحول خط مياة الصرف الصناعى هذه باستعانة بعض المزارعيين هناك الذين يقومون برى اراضيهم من المياة الملوثة هذه والغريب انهم يروون محاصيل الخضار التى تؤكل طازجة بهذه المياة الملوثة وحتى لا اطيل لقد قمت باخذ العينات الى معمل كلية الزراعة - جامعة القاهرة الذى تخرجت منها منذ زمن بعيد والمهم قمت بعمل تحليلات كيماوية للعينات ووجدتها بها فلزات ثقيلة مثل النحاس والرصاص والزنك .....الخ ووجدت العينة بها تركيز الرصاص والنحاس وصل الى الحد الحرج تقريباوهذا معناها خطر على صحة المواطن فشل كلوى عافاكم الله دا غير التلوث البيولوجى

غير معرف يقول...

اختى الفاضلة عاشقة النيل انا صاحب التعليق السابق
مهندس / محمد الانصارى
من مدينة الاقصر - خريج كلية الزراعة - جامعة القاهرة وللاسف حتى الان لم احصل على وظيفة حكومية من مواليد 1970 وقدمت بطلبات شكاوى كثيرة ولا جدوى اخر شكوة لوزير الزراعة السابق ايمن ابو حديد الذى ازاح الشكوى الى وزير البيئة ولاجدوى ومعى ما يثبت ذلك
شكرا لك مرة اخرى على شعورك تجاه وطنك الغالى
تحياتى لك ....
mdmr0216@gmail.com