الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٧

رحل من علمنى كيف تكون الحياة

لم أقابل هذا الرجل إلا مره واحدة وأعلم الأن أنى لن أقابله مرة ثانية لا لشىء إلا أنه رحل عن هذا العالم , رحل دون ان استطيع وداعه, رحل دون ان ينتظر أن أقابله مره واحده لأخبره أن مساعدته لى قد أثمرت وأنى سأظل ممتنه له طوال حياتى .
كنت فى أخر سنه لى بالكليه عندما طلبت منا رئيس القسم أن نقوم بعمل حوار صحفى ونقدمه كأحد عناصر مشروع التخرج , إحترت فى الشخصية التى سأجعلها بطلة حوارى خاصة أنهم أرادوا منا عمل حوارات غير تقليدية , فكرت كثيرا وكثيرا إلى أن جائتنى الفكرة فقد قررت عمل حوار مع" طفل فلسطينى" لن أدخل فى تفاصيل أكثر عن أسباب إختيارى لهذه الشخصية بالذات ولكن كل ما كان يؤرقنى فى ذلك الوقت هو كيف سأصل إلى هذا الطفل الذى سأجعل منه بطل مشروع تخرجى إلى أن نصحنى أحدهم أن أطلب منه مساعدتى وبدأت القصة.
رفعت سماعة التليفون وإتصلت بالأهرام, وطلبت أن أتحدث إلى الأستاذ "محمد مصطفى" الصحفى بالأهرام ,حقيقة لم أكن أعلم عنه الكثير فقد كانت أقصى معلوماتى عنه أنه مراسل الأهرام فى فلسطين سابقا وأنه وسيلتى الوحيدة للوصول إلى بطل حوارى ,علقت الكثير من الأمال على هذه المكالمة ولكن البعض ملىء قلبى بالرعب من هذا الحوار قائلين أنه من الصعب الوصول إلى أحد الصحفيين الفلسطينيين الذين يمكنهم مساعدتى خاصة أننى لازلت طالبة , وجائت مكالمتى له كطوق النجاه فوجدت ترحيبا لم أتوقعه ووجدت عونا لم أحلم به
جاء صوته رقيقا هادئا وأخد يطمئننى على الحوار الذى أريد عمله بل أنه طلب منى أن أعطيه مهله كى يتحدث إلى بعض الصحفيين فى فلسطين الذين يمكنهم مساعدتى وشعرت أننى أتحدث إلى أخى الأكبر , شعرت بالدفىء فى حديثه وفى كلامه الذى ملأنى بالأمل شعرت أن العالم ليس أسودا كما يصفه البعض وليس قاسيا كما يظن البعض الاخر , فها هو لا يعرفنى ولا أعرفه ولا ينتظر منى المقابل ولكنه مصر على مساعدتى لا لشىء إلا أنه يريد مساعدتى مادام فى إستطاعته ذلك.
أغلقت سماعة التليفون معه مع وعد بأنه سيبحث لى عن طريقة لعمل الحوار وطلب منى أن أعطيه رقم تليفونى حتى يتصل بى ولا يكلفنى ثمن المكالمة لأنى لازلت طالبه " ومصروفى على أدى" على حد قوله , وفى صباح اليوم التالى وجدته يفى بوعده معى فهاهو قد تذكر مطلب تلك الفتاه الصغيرة التى حادثته لتطلب منه مساعدتها وهاهو يعطينى أرقام وإيميلات الصحفيين الفلسطينيين المقربين له وذلك بعد أن حادثهم جميعا عنى وطلب منهم تسهيل مهمتى.
لم أستطع أن أصف له مدى تقديرى وإحترامى له لمساعدته لى وطلبت منه أن أراه ,أردت أن أرى أخى الأكبر , أردت أن أرى الشخص الذى أعاد لى الثقة فى الدنيا بل فى العالم كله وكانت المقابله الأولى والأخيره ,فبعد انتهاء الامتحانات إتجهت إلى مبنى الأهرام وانا أبحث عن هذا الرجل , بل عن هذا الأخ وكانت مقابلتى له التى لم تتعدى عشر دقائق شكرته خلالها على مساعدتى وسألنى عن مشروع تخرجى فأجبته أنى قدمته وفى إنتظار ظهور النتيجة, ولو كنت أعلم أنها ستكون المرة الأخيرة التى سأراه فيها لتشبثت بمقعدى أمامه ومكثت أكثر من ذلك .
منذ عدة أيام كنت أتصفح جريدة الأهرام ففوجئت بصورته يعلوها عنوان أسود قاتم هزنى حتى سقطت من يدى الجريدة فها أنا أقرا نعى أخى الأكبر ,أستاذى الذى علمنى كيف أساعد دون أن أنتظر كلمة شكر .
كنت أريد أن أخبره أن مساعدته لى أثمرت فقد حصلت على" جائزة الإبداع"فى مشروع التخرج كنت أتمنى أن يعلم ولكنه رحل دون أن يسمع منى رحل دون أن أقول له الوداع.
وها أنا ذا أقول لك أنى لن أنساك ما حييت
.