الخميس، ٩ أبريل ٢٠٠٩


راعية غنم في مترو الأنفاق
لم تكن عقارب الساعة قد فارقت العاشرة صباحا بعد، وكنت فى طريقى إلى الجريدة مستقلة أكثر الوسائل قربا إلى منزلى وأكثرها بعدا عن قلبى وهو مترو الأنفاق، ويبدو أنه كان يوم حظى فقد وقفت فى عربة السيدات لمسافة ٤ محطات فقط، وبعدها تمكنت من اقتناص أحد المقاعد بجوار النافذة، ولكن «المنحوس منحوس حتى لو لقى كرسى فاضى فى المترو».
فقد فوجئت برائحة روث غنم تملأ أنفى حتى «الثمالة»، وماهى إلا ثوان حتى علمت من حديث الجالستين أمامى أنهما تعملان راعيتين للغنم، إحداهما عشرينية ترتدى جلبابا بدويًا فضفاضا سرعان ما رفعته حتى ركبتيها فأصبح واضحا حينها «بنطالها الأسود» الذى دسته فى عنق «بوط أسود» طويل.
تلك الرائحة والعصا التى كانت تهزها فى الهواء وتضرب بها الأرض كلما احتد بينهما النقاش، كانتا ستدفعانى أن أرتكب عملا جنونيا، بأن أترك المترو وأستقل التالى ولكنى تذكرت الخصومات التى توعدنى بها رئيس التحرير، لذا قررت أن ألزم مكانى و«أقصر الشر»، وبمجرد أن أغلق المترو أبوابه وبدأ فى الانطلاق تاركا وراءه محطة منشية الصدر حتى فوجئت بصراخ وبكاء شديدين وانقباض فى الصدر فالتفت فإذا برجل يحيط بمجموعة من الفتيات ويحاول الالتصاق بأجسادهن.
وكن كلما حاولن الابتعاد عنه خلع شيئا من ملابسه، فبدأ بقميصه ثم بالفانلة الداخلية والحزام، وأكاد أجزم أنه لم يتبق فى جسدى حينها نقطة دم واحدة ولولا الإيشارب الذى أرتديه لأصبح واضحا للجميع أن شعرى أصابه الشيب فى تلك اللحظة خاصة أنه أصبح على بعد خطوات من مقعدى، وحينما التفت إلى تلك الفتاة البدوية ورفيقتها وجدتهما ثابتتين فى مكانهما وكأن شيئا لم يحدث، بل إنهما أخذتا تتعاركان حول كونه مجنونا أم سكران، وفشلت محاولات الفتيات فى استدعاء العسكرى الواقف على المحطة ويبدو أنه اعتقد أنها «خناقة حريمى».
وفجأة اتجهت الفتاة العشرينية إلى ذلك الرجل حاملة عصاها وأخذت فى ضربه وتعنيفه وكأنها تهش ذئبا عن غنمها حتى أصابه الذعر وأخذ يطلب منها أن تتركه وشأنه، ولكنها أخذت تزيد من ضرباتها له ولم ينقذه من يديها إلا أن فتح المترو أبوابه ففر مسرعا، ووسط إعجاب وذهول الفتيات فى المترو عادت راعية الغنم حيث رفيقتها قائلة «مش قلتلك إنه سكران»، وحينها فقط عاد الدم إلى جسدى وشعرى إلى لونه الطبيعى وتمنيت أن تضع لنا الحكومة فى كل عربة للسيدات راعية للغنم.